العودة إلى تعز: مدينة الأضواء

في العام 2016م، رفعنا تقريراً ورد فيه كيف تمكنت المجموعات المجتمعية في تعز في اليمن من تحسين مستوى السلامة من خلال تركيب ألواح الطاقة الشمسية والأضواء في مديرية المظفر. وبعد مرور عامين، عدنا مرة أخرى لنرى كيف غيرت تلك المبادرة حياة الناس، وكيف استمر أعضاء المجموعة في لعب دور محوري وحيوي في المجتمع في خضم الصراع المستمر.

"كان الأطفال يلعبون داخل المنازل بدلاً من خارجها، وكان الناس تراودهم المخاوف من اللقاء بعد أن يخيم الظلام، وأصبحت الشوارع مليئة بتجار المخدرات؛ لذا لم يعد الناس يشعرون بالأمان مع حلول الليل." أيمن عبدالكريم، أحد سكان تعز.

منذ اندلاع الحرب في عام 2015م، تعرض الجزء الجنوبي الغربي من مدينة تعز للدمار، مع استمرار المجتمعات في العيش تحت وطأة الحصار وبين براثن المعاناة المتمثلة في نقص حاد في الغذاء والمياه والمساعدات. ولا يقف الأمر عند ذلك بل ويزداد الوضع سوءاً بعد غروب الشمس، حيث تزدهر الجريمة وتزداد المضايقات في الشوارع تحت حلكة الظلام.

حيث قامت إحدى المجموعات المجتمعية المدعومة من منظمة سيفروولد وشريكتها المنظمة الوطنية لتنمية المجتمع في مديرية اﻟﻣظﻔر بأخذ زمام الأمور والتكفل بها بنفسها. بعد تحديد الشوارع المظلمة والأزقة في الأحياء السكنية التي تُعد مصدر لانعدام الأمن للمجتمع، توصلوا إلى فكرة استخدام الألواح الشمسية وأضواء الشوارع لجعل الشوارع أكثر أماناً في الليل، وكذا رسم خرائط لمناطق المدينة حيث يمكنهم تركيز جهودهم فيها.

المنظمة الوطنية لتنمية المجتمع

بعد تركيب الإضاءة الجديدة، بدأ أكثر من 300 طفل من حي باب موسى والميدان اللعب في الشوارع في المساء والليل دون خوف من التعرض للمضايقات أو الخوف من العصابات الإجرامية. بهذا التقدم، تولت المجتمعات في جميع أنحاء المنطقة مسؤولية الحفاظ على الألواح الشمسية لضمان بقاء شوارعهم مضاءة جيداً.

مع تكلل المبادرة بالنجاح، سرعان ما بدأت المجتمعات المجاورة بالتساؤل عن كيف يمكن تكرار المشروع. ولقد أظهر أحد مديري المدارس العامة وهو الاستاذ جميل أبو مهدي من حي النصيلة حماساً منقطع النظير. ولمعرفة المزيد، التقى مع عضو مجموعة المجتمع الذي شرح له كيف تمكنوا من إشراك المجتمع في ذلك، والاجتماع مع القادة المحليين، وما هي الخدمات اللوجستية التي شاركوا فيها. أراد جميل الإبقاء على التكاليف منخفضة، لذا قرر أن يجعل مشروعه أصغر واستخدم مصابيح شمسية بأسعار أرخص. حيث حظيت مبادرته بالترحيب في مجتمعه، وأشاد أحد المساجد المحلية بجميل لقيامه بالمبادرة ودفع الأمور للأمام. بعد تركيب الأضواء، بدأ أطفال حي النصيلة باللعب في الشوارع حتى وقت متأخر من المساء، وشعرت النساء بثقة أكبر لممارسة حياتهن اليومية.

تتكون مجموعات المجتمع المثيلة لهذه - التي تم تكوينها في عام 2013م - من حوالي 15 رجل وامرأة وشاب الذين يأتون من مختلف الخلفيات المهنية والسياسية والاجتماعية لمعالجة مجموعة من قضايا السلامة في مجتمعاتهم. ولقد عملت كل من سيفروورلد والمنظمة الوطنية لتنمية المجتمع مع المجموعات لبناء مهاراتهم في مجال معالجة والتعامل مع مخاوف سلامة المجتمع، وتيسير النقاشات، وتحليل المشكلات، والخروج بالحلول، وكذلك التفكير في كيفية مناصرة قضاياهم، والحساسية تجاه الجوانب المختلفة للنوع الاجتماعي والنزاع. شملت بعض المجالات المثيرة للقلق التي تم تحديدها مع السلطات والمنظمات المحلية العلاقات المتوترة بين الشرطة والمجتمعات المحلية وعمالة الأطفال وتعاطي المخدرات وحيازة السلاح.

المنظمة الوطنية لتنمية المجتمع

تغريد أحمد سعيد هي عضوة في مجموعة المجتمع حيث وجدت أنها وفرت لها فرصة لبناء مهاراتها والتعزيز من ثقتها. لقد كانت خجولة ومتحفظة فلم تكن تحب التحدث في العلن، ولكنها الآن تقدم تدريباتها الخاصة في مجال سلامة المجتمع، على الرغم من تربيتها المحافظة التي لا تشجع النساء على المشاركة في الحياة العامة. باستخدام معرفتها من التدريبات، قامت تغريد بدعم منصات أخرى مثل منظمة سول المحلية.

قالت تغريد أحمد سعيد: "من خلال قيامي بذلك، شعرت بأنني أساعد مجتمعي وكذلك عائلتي. فهم يشجعونني على الاستمرار في هذه الرحلة، وقد ساعدتني ثقتي في المنزل أيضاً."

استمر الأعضاء الآخرون في نشاطهم من خلال إضفاء الطابع الرسمي على المجموعات الموجودة وإنشاء مجموعات جديدة. في عام 2017م، استجاب نبيل السماوي لمطالب مجتمعه من خلال إنشاء مجموعة جديدة في باب موسى لتلبية الاحتياجات الإنسانية المستمرة. على سبيل المثال، تقوم المجموعة بتنسيق شبكة مجتمعية لتنسيق عملية توزيع الغذاء في ظل النقص.

قاد محمد عبد الرحيم -عضو المجموعة- الجهود للتسجيل تحت اسم مبادرة صناع السلام. وهم يعملون الآن على تحسين نظام جمع النفايات والصرف الصحي في منطقتهم المحلية من خلال كسب دعم المجتمع المحلي لصيانة الأماكن العامة. ويخططون في الأشهر المقبلة لتنظيف وترميم موقع تاريخي تم استخدامه كمكب نفايات، وكذا بناء جدار حوله لحمايته من الأعمال التخريبية.

انضم أعضاء المجموعة الآخرون إلى منظمات المجتمع المدني القائمة ويلعبون أدواراً غير رسمية حيوية في مجال حل النزاعات داخل مجتمعاتهم. كان لأحد الأعضاء دور أساسي في منع نهب دار المتقاعدين باستخدام علاقاته وتأثيره لتشجيع اتباع وسائل لا يتخللها العنف للتعبير عن الإحباط والخلاف.

في ظل النزاع القائم في اليمن الذي أدى إلى انهيار الخدمات الرسمية، بما في ذلك إغلاق مراكز الشرطة وجمع النفايات وغيرها من الاحتياجات اليومية الحيوية، تسمح هذه المجموعات للمواطنين بأن يأخذوا زمام الأمور بأيديهم. على الرغم من استمرار القتال من حولهم، فإن هذه المبادرات تجلب مظاهر الحياة الطبيعية إلى حياتهم. حيث قالت تغريد أحمد سعيد أنها تشعر بالتغيير: " بدأ الأطفال بالبقاء خارجاً حتى وقت متأخر من الليل - حتى العاشرة مساءً في بعض الأوقات- ويمكنهم الشعور بالأمان أثناء السير في الشوارع."