التعليق و التحليل

الحرب ليست التهديد الوحيد لنشاط النساء في اليمن

15/03/2022 الحرب ليست التهديد الوحيد لنشاط النساء في اليمن

تحدثنا إلى مديرة مكتبنا في اليمن، أوفى النعامي، حول كيف أن الحرب ليست التهديد الوحيد لنشاط النساء في اليمن. حيث تواجه النساء هجمات ممنهجة وانقطاع الإنترنت وتقييد الحريات والتي تأتي على رأس المشاكل بسبب الحرب المستمرة.

هل يمكن أن تخبريني عن نشاط النساء في اليمن في الوقت الحالي؟

النشاط النسائي اصبح صعباً، بل هو في الوقت الحالي معقد للغاية، فالنشاط المجتمعي في اليمن في وضع الانتظار. حيث يواجه النشطاء- خاصة من النساء- عددا جمًّا من الصعوبات بما فيها الأمن والوصول إلى المعلومات وكذلك الوصول إلى صانعي القرار. حيث ان الحرب ألقت بظلالها على دور الناشاطات في العمل المدني.

قامت جهات متعددة بتهميش ومضايقة النساء اليمنيات حتى في ادوراهن الحياتية البسيطة.

هناك ناشطة يمنية طلبت عدم ذكر اسمها أخبرتني: "أنا حاليًا أنسق مشروعا لتعزيز آليات الحماية [في مركز نسائي] حيث أحيل إلينا 340 حالة. لقد أذهلنا حجم المعاناة والعنف اللذين تعاني منهما النساء بسبب الحرمان من الموارد الذي ينتج عنه عنف نفسي ولفظي وجسدي. إن العمل على تلك القضايا عرضنا إلى الخطر، مما اضطرنا إلى إغلاق العديد من القضايا دون حلها لحماية النساء في المركز."

ففي شمال اليمن، لا تسمح جماعة أنصارِ الله (الحوثيون) بأية مشاريع تتعلق بتعزيز دور النساء في المجتمع، أو أي شيء له علاقة بالنشاط النسوي. فهناك اعتداءات منظمة وممنهجة تستهدف النساء بشكل عام وبشكل خاص ضد من يمثلهن في المجتمع. لذلك فإن أولئك اللواتي يتصدرن المشهد من النساء، مثلا من المؤثرات في الإعلام وقنوات التواصل الاجتماعي والصحفيات والعاملات في المجال الإنساني، كل هؤلاء يخضعن للتشديد من جهة أنصار الله. هناك حالة لعارضة أزياء يمنية تمت ملاحقتها والحكم عليها بالسجن لمدة خمس سنوات. لا نعرف ما هي تهمتها بالضبط، فقد ادعى البعض بأنها كانت جاسوسة، وقال بعض آخر إنها تمثل خطرًا على هوية النساء اليمنية. كل ما سبق جعل النساء تتخوف وتحجم عن التحدث والعمل بحرية.

تقوم جماعة أنصار الله بوضع قيود حول حركة النساء بين بعض المدن اليمنية، فهي تطلب من النساء أن يكون لهن مرافق رجل (محرم)، حتى بالنسبة للعاملات في المجال الإنساني اللواتي يذهبن للعمل في أماكن مثل إب وحجة وصعدة. هناك الكثير من اللوائح الجديدة التي تتضمن تقييد حريات النساء والفتيات، مثل منع استخدامهن للهواتف الذكية في بعض المناطق. هناك هجوم كبير على النساء وبالطبع لا يستطيع النشطاء والناشطات تقديم الكثير في مثل هذه البيئة المعادية.

وإذا ما نظرنا إلى الوضع في الجنوب نجد أنه مماثل لما هو في الشمال. إذ يرحب العديد من المتشددين بهذه الاتجاهات الجديدة وينظرون إليها على أنها "تصون التقاليد"- وهو ليس ما عليه الحال. لكن هذه هي الرواية التي يتم ترسيخها على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي حجج منتشرة عند جمهور لديه وصول محدود إلى وسائل الإعلام الأخرى.

تركز بعض النساء الآن على دورهن في السياسات رفيعة المستوى، مثل عملية السلام. لكن بالأغلب ما هو غائب الأن هو أصوات النساء اللواتي يواجهن عقبات وتهديدات يومية لأمنهن ومكانهن في المجتمع وسبل عيشهن.

إن المنظمات النسائية المحلية هي التي تتعامل مع الكثير مما تحدثنا عنه [أعلاه] كنساء وكمدافعات عن الحرية. ولكن لا تتمتع هذه المنظمات بإمكانية الوصول إلى التمويل المطلوب، وللأسف غالباً ما يركز المانحون والوكالات الدولية على الوضع الإغاثي أكثر من التركيز على ما يجب القيام به اجتماعيًا من أجل السلام والمصالحة ومن أجل الأجيال القادمة من النساء اليمنيات. تواجه المنظمات التي تقودها النساء قيوداً في التمويل وحول المواضيع التي يمكنهن العمل عليها. المنظمات النسوية تحتاج أيضاً إلى تمويل مرن يتعلق ببناء القدرات وميزانيات الحماية وميزانيات مخصصة تراعي النوع الاجتماعي (والتي تراعي نفقات أخرى خاصة تحتاجها النساء كالعناية بالأطفال وتمويل لإجازة الوضع وتوفير سبل مواصلات مناسبة لهن). وكذلك تحتاج المنظمات الى تمويل مرتبط بالاستدامة. ما بين محاولة المنظمات النسوية للاستمرار ومع الأخذ بعين الاعتبار المساحة المحدودة الخطرة التي يعملن بها فإن الكثير من عمل هذه المنظمات لا يتحدى التحول في قضايا النوع الاجتماعي كما يجب.

كل ذلك يبدو صعبًا ومتَحَدّياً. أولاً، بالنسبة لشخص غير ملم بهذا الوضع، ماذا نعني بالتحول في قضايا النوع الاجتماعي؟ ثانياً، كيف تتعامل سيفرورلد وشركائنا مع السياق الذي وصفته للتو؟

نحن [غالباً] ننظر إلى النوع الاجتماعي من منظور الأعداد. على سبيل المثال، تبحث معظم مشاريع النوع الاجتماعي عن عدد النساء اللاتي استفدن من هذا المشروع. وهذا في بعض الأحيان يكون هذا هو الحد الأقصى لنتائج المشروع. لكن ما نريده [يتجاوز الأرقام] وهو تغيير مستدام في تصور أدوار النساء في المجتمع، وتغيير في السلوكيات الجماعية والفردية الناتجة عن الأعراف والممارسات والهياكل الضارة. بشكل مبسط، يتعلق الأمر بتغيير وجهات نظر المجتمع ككل -النساء والرجال وصناع القرار- إلى العلاقة المتبادلة بين النساء والمجتمع وتغيير الأنظمة التي تم إنشاؤها لدعم الممارسات الضارة التي تؤدي إلى الجور والظلم في المجتمع ككل.

ما تفعله سيفرورلد الآن هو محاولة إعطاء منصتنا لأصوات الناشطات والناشطين. وبجانب محاولتنا ربط هؤلاء الناشطين والناشطات المجتمعيين بالفضاءات الدولية. الا انه في معظم الأحيان يُنظر إلى العمل على قضايا النوع الاجتماعي على أنه أيديولوجية غربية، لذلك نحن نعمل ايضا على تغيير الاهتمام المعتاد بالخطاب الموجه للخارج، والتركيز على خطاب للداخل اليمني نابع من الثقافة والبنية اليمنية المتنوعة. نحن نركز مناصرتنا في اليمن للتغيير المجتمعي بناءً على ما تريده النساء اليمنيات، واللغة التي يستخدمنها، والعمل الذي يقمن به الناشطات اليمنيات على المستوى المجتمعي. نعتقد أن هذا سيمنح النساء اليمنيات الأكسجين الذي يلزمهن لتغيير الأعراف والهياكل التي تهدد أمنهن وقدرتهن على العمل في المجالات الاجتماعية والسياسية. وهذه هي أهم أولوياتنا.

الأمر الآخر الذي نسعى إليه هو تغيير اتجاه وطريقة عمل المانحين والمؤسسات الداعمة وحثهم على النظر في الاحتياجات الخاصة للمنظمات المعنية بحقوق النساء. مثل الحاجة الملحة للحصول على أنظمة وتمويلات مرنة. مثلا تقوم سيفرورلد والرابطة النسائية الدولية للسلام والحرية (WILPF) حاليًا بتجربة نموذج تمويل أساسي ومرن لمنظمات حقوق النساء بدعم من حكومة المملكة المتحدة ، ونأمل أن نشارك ما تعلمناه من خلاله قريبًا.

كما نحاول تسليط الضوء على كيفية تأثير القرارات التي تتخذها المنظمات الدولية على النساء. على سبيل المثال، كيف سيؤثر السماح بشرط وجود مرافق محرم [المذكور أعلاه] على جميع النساء، وليس فقط النساء العاملات في المنظمات الإنسانية، نحن نعمل أيضًا مع شركائنا وشبكاتنا من اجل ادراج طرق ومناهج تحويل قضايا النوع الاجتماعي على عدة مستويات.

في حال كنتِ مكان المانح، ما الذي ستقومين بتغييره، أو ستقومين بعمله أولاً؟

إذا كنت مانحاً، فستكون أولويتي هي دعم النساء اليمنيات لاستعادة حريتهن في التفكير والعيش وامتلاك قراراتهن الخاصة وتصبح  النساء مواطنات شريكات في بناء الوطن مجددا، من خلال التركيز بشكل أكبر على المشاريع التي تهدف إلى التغيير في المستقبل. من المؤكد أن المشاريع الإنسانية والإغاثية حيوية وضرورية جدا، إلا أنها تقدم معالجات "للأن" فقط وتركز على المشكلات  الظاهرة  في الوقت الحالي.  الا ان ما يميزنا كبشر هو التفكير والتخطيط للمستقبل. لذلك ينبغي أن يتم تصميم هذه المشاريع وامتلاكها من قبل اليمنيين في اليمن - تحتاج منظمات المجتمع المدني (التي تقودها النساء على وجه الخصوص) إلى امتلاك الأدوات والأنظمة التي تسمح بحدوث ذلك. إنه منطق متناقض عندما نطلب من منظمات المجتمع المدني تنفيذ مشاريع جاهزة ومستعجلة، بناءً على دعوات جاهزة لتقديم مقترحات المشاريع وبدون استشارة المنظمات أو المجتمعات اليمنية ضمن محلياتهم واحتياجاتهم المختلفة- التعامل مع المنظمات المحلية كمنفذين بينما هذه المنظمات هي التي تواجه الصعاب في الواجهة. كيف يمكننا تمكين المجتمع في الوقت الذي نقوم فيه بإضعاف رابط الوصل بين المانحين و"المستفيدين"؟

الخطوة التالية في سلم أولوياتي كمانح هي تقديم تمويل مرن وأساسي للمنظمات المعنية بحقوق النساء وتقديم الدعم والتضامن لهذه المنظمات وبقية المنظمات اليمنية. التمويل المرن هو وسيلة لدعم هذه المنظمات التي تُعنى بحقوق النساء لتحقيق التغييرات التي تنشدها هذه المنظمات. إذا كنت مانحاً فسأجري مسحاً ميدانياً لمعرفة عدد النساء اليمنيات القادرات على الوصول إلى مناصب صنع القرار رفيعة المستوى في عالم المنظمات الدولية غير الحكومية. يجب أن نكون مسؤولين ونطبق نحن ما نعظ به ونناصره قبل مطالبة الأخرين به.

ما هو الشيء الوحيد الذي تتمنين أن يعرفه المزيد من الناس عن الصراع في اليمن؟

يتم تحديد ديناميكيات القوة في اليمن من قبل أكثر من طرف خارجي ولا تقتصر هذه الاطراف على المشاركين فعليا في الحرب. كان للتدخلات الإنسانية الدولية في اليمن آثار تدريجية وخفية. للأسف تكون هذه الآثار في بعض الأحيان سلبية، وتمنح مزيداً من السلطة للأشخاص المعارضين لحقوق النساء. آمل أن تكون هناك حساسية أكبر في التعامل مع الأطراف المختلفة - هناك فرق كبير بين الحياد واللامبالاة.

أخيراً، أصبحت خدمة الوصول إلى الإنترنت لا يعول عليها في ظل تدهورها بشكل متزايد. ومع كوفيد-19 الذي نتج عنه تحول معظم الأشياء إلى العالم الافتراضي، كنا نأمل أن تتاح الفرصة لمزيد من الأشخاص من اليمن للمشاركة في الأحداث العالمية. ولكن نظراً لأن سرعة الإنترنت -والتي تعتبر بالفعل الأسوأ في العالم - أصبحت أسوأ مما كانت عليه قبل الحرب، فإن اليمنيين (خاصة خارج المدن الكبرى) يواجهون عقبات ضخمة عند الاتصال بالعالم الخارجي، المنظمات والناشطات المحليات بالكاد يمكنهم المشاركة في الاجتماعات والتدريبات عبر الانترنت، على سبيل المثال.  

قرأت أن اليمن من أسوأ الأماكن التي تعيش فيها النساء بحسب منظمة العفو الدولية. الا انني لا أجد شيئأ يجعلني اكثر فخرا من كوني امرأة يمنية. لقد عملت مع نساء يمنيات من خلفيات مختلفة: النساء ذوات الإعاقة، النساء المهمشات، المدافعات عن الحرية، العاملات في المجال الإنساني، ربات البيوت، طبيبات، معلمات، وفاعلات الخير وسيدات الأعمال. لم أجد سوى الإرادة القوية والتصميم والالتزام بتحقيق أفضل ما نستطيع عمله للحاضر من أجل مستقبل أفضل. سنواصل إعادة بناء ورعاية مجتمعاتنا العادلة والأمنة التي نستحقها. لاننا يمنيات.